00989194917069- 00989183614700
حركاتالإصلاح و التجديد الإسلامية في إيران المعاصرة
الملخص
إنّ حرکة الإصلاح و التجديد من أهمّ معالم التجربة التاريخية لکلّ مجتمع. فالمجتمع الإيراني أيضا قد مثّل صورا متعددة للعديد من التجارب الإصلاحية التي قد إرتبطت ارتباطا وثیقا بالإسلام. و بما أنّ الإسلام حرّم إستعباد المسلمين، کانت طبيعة النظام السیاسي و الإقتصادي القائم علی الرّق من العوامل التي هيّأت و مهّدت نمو حرکات الإصلاح و التجدید الاسلامیة في ایران المعاصرة. إنّ طبيعة هذه الحرکات تأثّرت بشدة من الأحوال و الظروف التي قد خيّمت علی المجتمع الإيراني.
إنّ الحرکات الإصلاحية الإیرانیة نبعت من العوامل العديدة التي تنبعث من الإسلام؛ منها: نفي الظلم، و رفض سلطة الأجانب، و استئصال جذور شجرة الاستعمار و الاستبداد، و أيضا من أجل الدفاع عن الاستقلال الذاتي و مصادر الثروة الطبيعية و الحقوق المشروعة للشعب الإیراني المسلم.
لقد ظهرت هذه الحرکات في إيران المعاصرة ظهورا بارزا في المجالات المختلفة؛ أهمّها: «نهضة التبغ و التنباک»، « الحرکة الدستورية»، «حرکة تأميم النفط الإيراني» و ظاهرة «الثورة الإسلامية».
حقّا أنّ العلماء الدينية لعبوا دورا حاسما في أکثر الوقائع التي شاهدتها إيران في مسيرها طوال العصور و لاسیّما في هذه الحرکات الإسلامیة المعاصرة. نحن في هذا الصدد نريد أن نبين أهمّ هذه الحرکات في إيران المعاصرة و نشير إلی بواعثها و ملامحها الرئيسية.
الكلمات الرئيسية: الإصلاح و التجديد الإسلامي، إيران، الحرکات الإسلامیة، المعاصر
المقدمه
الإصلاح يعني تنظيم الأمور و تنسیقها و هو ضدّ الفساد مفهوماً. التجديد و الإصلاح هما مسعيان فطريان في أيّ مجتمع و من هنا فإنّ طبيعة الحرکات الإصلاحية تتأثر بشدة بالأحوال القائمة علی المجتمع و يرتبط نجاحها بمقدار اقناعها معظم الناس. «فالدعوة الإصلاحية روحية اسلامية و کلّ مسلم هو داعية الإصلاح أو لا أقل من أنصار الدعوة الإصلاحية. ذلک أن الدعوة الإصلاحية بالإضافة إلی أنّها من الصفات النبوية و الرسالية، هي مصداق «الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر» التي تُعتبَرُ من أرکان التعاليم الإجتماعية للإسلام» (الحرکات الإسلامية في القرن الأخير(بلا مؤلف)،1982م: ص8).
إنّ الدعوة إلی الفکر الإصلاحي هي دعوة الأنبياء و المرسلين و حيث اختتمت الرسالات السماوية برسالة محمد بن عبدالله فقد کان لابدّ للمسلم أن يکون داعية الإصلاح في حدود امکانياته؛ لأن البشر هم الذین یغیّرون و يصنعون تاريخهم، کما قال الله تبارک و تعالی«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِم » (الرعد/11).
ربمّا نستطيع أن نقول إنّ حرکات التجديد و الإصلاح من أهمّ معالم التجربة التاريخية لکل مجتمع. طبعاً أنّ المجتمع الإيراني قد شاهد کثيراً من الحرکات التجديدية و الإصلاحية طوال العصور المعاصرة. إنّ مخطّطات العدو لمقابلة مجتمعنا «إيران» قد ظهرت بأشکال متعددة؛ فالتجديد لابدّ منه إذا کنّا لانريد أن نبقی مقصّرين فيما أُمرنا به من إعداد ما نستطيعه من قوّة؛ فالإصلاح لا بدّ منه إذا کنّا عازمين علی أن نخلع ثوب الذّل عن أجسادنا. علی هذا الأساس أنّ الحرکات الإصلاحية هي نغمة معروفة عند الإيرانيين.
عامل التحريک و الاستقطاب الجماهيري الذي اعتمدت عليه الحرکات الإصلاحية فهو الإسلام؛ فالشعب الإيراني شعب مسلم، شديد التمسک بإسلامه؛ فلذلک في مجتمع إيران الإسلامي يُعدّ الناسُ من أحکم الحصون تجاه مؤامرات الأعداء. فقد حضر الشعب الإیراني بدعوة العلماء الدينية حضورا نشطاً و هاماً في المجالات المختلفة و نحن نشاهد نماذجاً من حضورهم الإيجابي في الحرکات الإصلاحية التي حدثت في إيران المعاصرة کـ «نهضة التبغ و التنباک»، « الحرکة الدستورية»، «حرکة تأميم النفط الإيراني» و «ظاهرة الثورة الإسلامية». کانت هذه الحرکات کردّة فعل لغزو الإستعمار الغربي السياسي و الإقتصادي و الثقافي و کانت تهدف إلی إقامة الصحوة في أفکار المسلمين و نظم حياتهم.
نحن في هذا المقال نلقي الضوء علی أهمّ الملامح التجديدية و الإصلاحية في إيران المعاصرة و بما أنّ الدوافع الدینية تُعدّ من العوامل الرئيسية لهذه الحرکات؛ فلذا نشير إلی دور رجال الدين و القيادة الدينية في سبيل انتصار هذه الحرکات.
حرکة التبغ و التنباک
إنّ حرکة تحريم التبغ و التنباک من أهمّ الحرکات السياسية و التاريخية و الدينية التي نبعت من روح الإسلام لمقابلة السلطات الداخلية و الخارجية. في زمن سلطنة «الشاه ناصرالدين»، اتّسع تسلّل الإستعمار في إيران و بدأت النزعة الغربية في هذا البلد بصورة واضحة. کانت تسعی القوی الإستکبارية و في رأسهم بريطانيا أن يضمحلوا رقبائهم و بسطوا نطاق سيطرتهم في إيران؛ لذلک في عام 1890م. منحت حکومة «الشاه ناصرالدين» ما عُرِف بـ «امتياز التبغ و التنباک» للتاجر الإنجليزي «تالبوت» و شرکائه، إمتيازاً شاملا لعمليات شراء التبغ و بيعه و تصنيعه في کل البلاد لمدة خمسين عاماً ابتداءً من توقيع لائحة الامتياز هذه، بالشروط التالية:
· «يدفع أصحاب الإمتياز سنوياً 15 ألف ليرة بريطانية إلی الخزانة العامرة سواءً ربحوا في عملهم هذا أم خسروا.
· تصدر الدولة للحکام الشعبيين تعليمات تقضي بإلزام الفلاحين أن يحصلوا علی إذن من صاحب الامتياز بشأن زراعة التنباک.
· يسلّم صاحب الإمتياز ربع الأرباح الخالصة من هذا العمل للخزانة العامرة.
· تعفی کل المصانع و المعدات اللازمة لهذا العمل من الضرائب و المکوس.
· نقل التنباک داخل الممالک المحروسة (الإيرانية) دون إذن صاحب الإمتياز ممنوع إلّا ما حمله المسافرون لاستعمالهم اليومي.
· يشتري أصحاب الإمتياز کل التبغ المزروع في الممالک المحروسة بثمن نقدي يرضی الزارع و لدی ظهور اختلاف بين الجانبين يقضي بينهم حکم يوافق عليه الطرفان.
· توافق الطرفان علی عدم فرض رسوم و مکوس إضافية بشأن التبغ و التنباک و عدم المطالبة بزيادة العائدات الحالية خلال الأعوام الخمسين من هذا الإتفاق.
· إذا لم تبدأ الشرکة بعملها خلال مدة سنة من توقيع هذا الإتفاق فإنّ هذا الإتّفاق يلغی إلّا إذا منع التنفيذ مانع کالحرب و أمثالها ... » (راجع: کرماني، 1346هـ.ش: ص39-38).
کانت عامة الشعب الإيراني يرون أن مثل هذا العمل بعيد عن حبّ الوطن و يحسبونه الإجحاف بحقّ بلاد الإسلام؛ لذلک أبدی الناس سخطهم، بحيث کتب التّجار رسالة شکوی إلی «الشاه»(الملک) و أوصلوها إليه عن طريق «أمين السلطان» و لکنّ «الشاه» و «أمين السلطان» کانا من مؤيدي الإتفاق؛ فتفاقم الأمر خاصة بعد انتشار موظفي الشرکة في البلاد إزداد سخط الناس و بدأ يأخذ شکل حرکة شعبية. کان التحرک الرافض في مدینة «تبريز» أشدّ من المدن الأخری، ثمّ نهضت مدینة «إصفهان» بحيث يبدو أنّ حرکة الإصلاح هذه کانت فيها أکثر تنسیقا و انسجاماً؛ ثمّ سرت النهضة إلی طهران و مدن أخری.
من الواضح أنّ المنقذ و الرائد في هذه الحرکات و الأزمات هم علماء و رجال الدين و لا غرو أن تتجه عامة الشعب في کل مکان إلی بيوت العلماء و يرفعوا إليهم شکواهم. لقد تقاطرت علی المرجع الديني الکبير«الميرزا محمد حسن الشيرازي» رسائل شکوی من کل أصناف الناس و خاصةً العلماء توضح له أبعاد هذه الداهية الدهماء و تستغيث به. عندما رأی «الميرزا الشيرازي» أن الأوضاع لا تتحمل فبعث برقية إلی«الشاه»(الملک) و ذکّره فيها بمضارّ هذا الإمتياز و طالبه الکفّ عن مواصلة هذا المشروع. حار«الشاه» في أمره و ازداد شکوی الناس، فتجمعت الظروف لتُمهّد صدور الفتوی التاريخية بتحريم التبغ و التنباک. فأصدر«الميرزا الشيرازي» فتواه المعروفة بتحريم الشطب و النارجيلة: «اليوم استعمال التبغ و التنباک بأيّ نحو کان، في حکم محاربة إمام زمان (عج)» ما إن صُدرت هذه الفتوی انتشرت خلال مدة قصيرة في جميع انحاء ايران و قبلتها عامة الناس صغارا و کبارا، رجالا و نساءاً و ...؛ فسرعان ما أغلقت جميع محلات التبغ و التنباک؛ فهزّت أرکان حکومة «الشاه ناصرالدين» و أذهلت جميع الأجانب؛ فاضطرّ«الشاه» إلی مفاوضة الشرکة و تمّ الإتفاق علی إلغائه مقابل غرامة 500ألف ليرة في سنة 1270هـ .ش(1309هـ. ق ؛ 1891م) و دفع مبلغ الغرامة إلی الشرکة بقرض من البنک «الشاهنشاهي» الحديث التأسيس آنذاک.
فحرکة تحريم التبغ و التنباک التي قصد منها مقاومة الإستعمار البريطاني لإيران و الفتوی التي أصدرها المجتهد المیرزا الشيرازي، رغم أنّها تتعلق بموضوع إيراني قد أثّرت في نفوس الإيرانيين و العراقيين معاً؛ فإنّ نهج «السيد الشيرازي» کان بداية لحرکة إصلاحية تناولت النواحي السياسية و الفکرية و الإجتماعية و عمّت کثيرا من بلدان الشرق الأوسط.
يعتقد براون «أنّ قضية فشل امتياز التبغ لعبت دورا فعّالا في الحرکة الدستورية في إيران و التي تمخّضت عن نجاح الإيرانيين في الحصول علی الدستور في عام 1906م. (براون، بلا. تا: ص371).
الحرکة الدستورية
کانت الحرکة الدستورية حرکة لتطويق السلطنة و الاستبداد و إقامة حکومة الدستور. تُقسَّم العوامل التي أدّت إلی ظهور هذه الحرکة إلی قسمين: العوامل الداخلية و العوامل الخارجية.
أما العوامل الداخلية لظهور الحرکة الدستوریة فهي:
· «أفکار و نضالات سيد جمال الدين الأفغاني لإقامة الأتحاد في العالم و الکفاح ضدّ الإستعمار و الاستبداد للدفاع عن القيم الإسلامية» (کرماني، 1346هـ. ش: ص192).
· حرکة تحريم التبغ و التنباک التي کانت أول حرکة للشعب الإيراني ضدّ الأجانب و الاستبداد، توفّرت المجال و تمهّدت الأرضية للحرکة الدستورية.
· سيطرة و عدوان الدول الإستعمارية منها انجليز و روسيا لحصول الإمتيازات و الإتفاقيات کـ «اتفاقية 1907م.» التي أدّت إلی انقسام إيران.
· إعتصام الشعب و عدد من علماء الدين إلی بلدة «شاه عبدالعظيم» في رمضان 1284هـ. ش (1323 هـ.ق ؛ 1905م) بسبب ايذاء علاء الدوله عدداً من التجار و إسارتهم بذريعة غلاء سعر السکّر الجامد.
من جهة أخری، إتصال بعض الإيرانيين بآراء المفکرين الأوروبيين و قتل «الشاه ناصرالدين» في عام 1281هـ.ش (1320هـ. ق ؛ 1902م) علی يد الميرزا رضا الکرماني من العوامل الخارجية لإثارة الحرکة الدستورية هذه.
کان المجتمع الإيراني في عهد «الشاه مظفرالدين» حافلا بالفقر و الفساد و عدم المساواة؛ و إن کانت تحدث من قبلُ إحتجاجات و اضطرابات شعبية في مدن ايران، و لکن يتفق أکثر المؤرخين علی أنّ بداية الحرکة الدستورية من قضية غلاء سعر السکر الجامد في طهران و کان هذا الأمر بسبب ايذاء «علاء الدوله»، حاکم طهران، سبعة عشر من التجار و بعض الناس.
کل هذه الأمور أثارت سخط الناس و رجال الدين و دفعت بهم إلی مغادرة طهران ببلدة «شاه عبدالعظيم» و طالبوا عزل «عين الدوله» و «مسيو نوج» البلجيکي الذي أهان إلی المقدسات الدينية و طلبوا «الشاه» أن يضع قوانين دستورية للبلاد. تزعّم السيد البهبهاني و السيد الطباطبايي قيادة هذه الإحتجاجات حيث ترکّز نشاطهما علی ضرورة الإصلاح في إيران؛ لکن لم يبادر«عين الدوله» أيّة مبادرة لإنجاز طلبات الناس و رجال الدين؛ فأبدی الناس و علماء الدين سخطهم مرّة ثانية و هاجروا إلی مدينة «قم» و استغرق اعتصامهم بمدة شهر کامل. عندما رأی «الشاه مظفرالدين» هذه القضية، «أصدر حکم الدستور في 14 من شهر مرداد سنة 1285 هـ. ش (15جمادی الثانية 1324هـ .ق ؛6آغسطس 1906م) و أقصی عين الدوله عن منصبه» (طلوعي، 1384هـ. ش: ص67)؛ ثمّ أقيمت الانتخابات التشريعية و دُوّن الدستور.
إنّ أهم غايات رجال الدين في الحرکة الدستورية هي:
· إجراء العدالة و الدستور في المجتمع الإيراني.
· حصول الإيرانيين علی الاستقلال السياسی و الاقتصادي.
· إحياء شعائر الإسلام حتی تُعهِّد الناس للقوانين.
أصدر علماء الدين کحجر الأساس للحرکة الدستورية فتواهم بأنّ مقابلة و مناهضة هذه الحرکة بمنزلة مقابلة و مناهضة الإمام العصر (عج).
إنّ الدستور، و البرلمان، و الحرية، و الانتخابات و اکتساب التجارب و حفظ الوحدة بين جماعة الناس في الحرکات الإصلاحية التالية من أهمّ معطيات هذه الحرکة الدستورية.
حرکة تأميم النفط الإيراني
إنّ حرکة تأميم النفط الإيراني من أهمّ الأحداث التاريخية في حياة ایران السياسية. علی إثر هذه الحرکة دخل الإيرانيون إلی صعيد السياسة أکثر من الأوّل؛ لأنهم استطاعوا أن يستأصلوا جذور الإستعمار الخارجي و يمهّدوا السبيل لعمران البلاد.
أثّرت العوامل المختلفة في حرکة تأميم النفط الإيراني؛ منها:
· عدم نسيان الشعب الإيراني إساءات و استهزاءات «انجليز» خلال أعوام حکومة «رضا شاه» و ابرام اتفاقية 1932م.
· منافسات القوی الإستکبارية في إيران و صداها بين المفکّرين الإيرانيين.
· التصديق علی دستور التحريم لامتياز النفط في 11 من شهر آذر 1323 هـ. ش(16 ذی الحجة 1363 هـ.ق ؛ 2 دیسمبر 1944م).
· المناقشات و المناضلات النفطية التي جرت بين أعضاء المجلس القومي.
· تواجد الخبراء الآمريکيين و جهودهم للحصول علی الميادين النفطية في إيران أثناء الحرب العالمية الثانية.
« دخل استخراج النفط في إيران علی حيّز الإمکان زمن سيطرة «الشاه مظفرالدين» علی إيران عام 1901م. و أعطی امتيازه إلی شرکة «دارسي». بعد بضعة أعوام أجرت شرکة «دارسي» السهام لرعاية شرکة النفط لإيران و انجليز؛ و لکن بعد مدة قصيرة تملّکت انجليز أکثر من ستين بالمائة من هذا السهام» (العلماء الدينية و حرکة تأميم صناعة النفط (بلا مؤلف)، 1385هـ. ش: ص20) من جهة أخری تسعی إنجليز أن تحصل علی الميادين النفطية لإيران علی تعزيز مکانة «محمدرضا البهلوي» في المجلس و القوی الوطنية. هذه الأمور أثارت سخط الشعب؛ و کانت تشارک جماعات مختلفة في هذه الحرکة العظيمة، خاصةً «القومیین» و في رأسهم «الدکتور مصدق»، لکن لم تستطع أيّة جماعة أن تطّلع الناس علی حقّهم إلّا رجال الدين. إن کانت تطرح خطّة تأميم النفط الإيراني علی يد الدکتور محمد المصدق، و لکن کان «السيد الکاشاني» أول عالم ديني ينادي بقضية أداء حقوق الشعب و قطع أيادي الإستعمار خاصة إنجليز من النفط الإيراني. إنّ رجال الدين مثل آية الله البروجردي، و السيد الخوانساري، و السيد المحلاتي و ... قبلوا قيادة آية الله الکاشاني في حرکة تأميم النفط؛ فهولاء طالبوا الناس بمتابعته.
«و في النهاية تمّ التصديق علی المشروع المقترح للجبهة الوطنية بناءً علی تأميم النفط الإيراني في 29 من شهر اسفند عام 1329هـ. ش(11جمادی الثانية 1370 هـ.ق ؛ 20 مارس 1951م) » (متيني، 1384 هـ. ش: ص222).
ظاهرة الثورة الإسلامية
بعد اعلان بريطانيا عن نواياها في انسحاب قواتها العسکرية من قواعدها في منطقة الخليج الفارسي، انتهزت أمريکا الفرصة و استطاعت أن تحلّ محلّها في ايران و عملت علی ارساء تواجدها السياسي و العسکري في هذه المنطقة. من جهة أخری سيادة «محمد رضا البهلوي» علی إيران أدخلت البلاد مرحلة مُظلمة من صمت المقابر و أجواء الخنق و الکبت بحيث لم يکن أحد ليجرأ علی المعارضة؛ في مثل هذه الظروف أصبحت أمريکا شريکة في اتحاد الشرکات صاحبة الامتياز للنفط الإيراني نسبة عالية في حين أنّ النفط الإيراني کان حتی قبل ذلک التاريخ عرضة للنهب من قِبِل بريطانيا وحدها و بذلک أحرزت امريکا اول مکسب إقتصادي رسم لها في إيران.
«لقد عاشت إيران تحت ظلّ حکم عائلة «بهلوي» أکثر من نصف قرن؛ واجه الشعب الإيراني المسلم خلال هذه المدة، واحداً من أبشع أنواع الديکتاتورية و التسلط الفردي و الغطرسة و الإنقياد التام للقوی الأجنبية و الطامعة لثروات البلاد» (نزار،1979م: ص16). هناک سلبيات عديدة داخل المجتمع الإيراني في عهد «محمدرضا شاه البهلوي»؛ منها:
· سيطرة الديکتاتورية العنفية و انعدام کل نوع من الحرية.
· تقلب التاريخ الهجري إلی التاريخ الشاهنشاهي.
· فصل الدين عن السياسة و النمو الفاحش للاختلاف الطبقي.
· إعتقال غير القانوني لآلاف الرجال و النساء و وقوع المجازر الوحشية و تعميم التعذيب و السجون للمتهمين السياسيين و ... .
کل هذه العوامل دفعت بآية الله الخميني أن يدخل ساحة النضال السياسي و الديني و يوطّد دعائم مرجعيته و زعامته. بعد مدة إعتقلته سلطات النظام الحاکم في الیوم الخامس عشر من شهر خرداد 1342هـ. ش(12محرم1383 هـ.ق ؛ 3 یونیو 1963م) فلذلک تدعمت في هذا اليوم مظاهرات الإحتجاج التي استمرت ليومين آخرين و استشهد من خلال تصدي السلطات الحاکمة للمتظاهرين بعنف حوالي خمسة عشر مواطن. «يعتبر الخامس عشر من شهر خرداد 1342هـ. ش(12محرم1383 هـ.ق ؛ 3 یونیو 1963م) بداية الحرکة الإسلامية الثورية الجديدة في إيران و نقطة وضاءة في صفحات تاريخ إيران الإسلامية» (سقوط قاعدة المکر(بلا مؤلف)،1983م : ص59).
و قد اضطرّ النظام بفضل ضغط الرأي العام الشعبي إلی إطلاق سراح «الإمام الخميني» بعد ثمانية عشر یوما من اعتقاله؛ أما بعد مضي حوالي تسعة عشر یوما من إطلاق سراح الخميني قام برلمان الملک بالمصادقة علی لائحة «کابيتولاسيون» في 21 من شهر مهر عام 1343 هـ. ش ( 6 جمادي الثاني 1384 هـ.ق ؛ 13 أکتوبر 1964م)؛ فانتغض الإمام الخميني يعارض هذه اللائحة و واصل الشعب الإيراني کفاحه المسلح و المسيراته العظيمة و کان يردّد فيها هذا الشعار القيّم «الإستقلال، الحرية، الجمهورية الإسلامية» و هذا دليل علی أن الشعب الإيراني يريد الحصول علي الإستقلال الثقافي و الفکري و الديني و ... ؛ فبادر النظام البهلوي بنفي «الإمام الخمیني» إلی ترکيا و من ثَمّ إلی العراق و هکذا بدأت فترة هجرته عن وطنه إيران التي طالت لمدة خمسة عشر عاماً. هنا جدير بالذکر بأنّ أجواء الإرهاب و البطش في ايران بقيت مستمرة حتّی انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979م.
أما في أعقاب استشهاد الآلاف من المواطنين في أحداث الیوم السابع عشر من شهر شهريور عام 1357 هـ.ش ( 5 شوال 1398 هـ.ق ؛ 8 سبتمبر1978م) لم يبق لأمريکا سوی طريق الانسحاب و صارت الأوضاع و الظروف خطيرة حتی انتهت إلی «أحداث تاسوعا و عاشورا (10 و 11 دیسمبر1978م) التي کانت استيفاءً حقيقيا يدين نظام «الشاه» و يؤکد علی زعامة الخميني» (راجع: نجاتي،2008م: ص559).
فقد رحل او بعبارة أحری فرّ الشاه (الملک) عن إيران في 26 من شهر دي عام 1357هـ. ش ( 16 صفر 1399 هـ.ق ؛ 16 يناير 1979م) و عاد السيد الخميني إلی إيران في12 من شهر بهمن عام 1357هـ. ش( 3 ربیع الأول 1399هـ.ق ؛ 1 فبرایر 1979م) و استمرّت المسيرات الميليونية في التصاعد و الاشتداد إلی أن انتهی النظام البائد سياسيا و عسکريا في الثاني و العشرين من شهر بهمن عام 1357هـ.ش ( 13 ربیع الأول 1399 هـ.ق ؛ 11 فبرایر 1979م) و استقرّ النظام الجمهوري الإسلامي.
«هذه الحرکة تتمّ دوماً لصالح فئة المستضعفين و المظلومين و تستمد جذورها من العقيدة و الإيمان بالله و تستند إلی حرکة الأتقياء و الصالحين الرائدة و ثورة الشعب و هذه الأرکان الثلاثة (الإيمان بالله، الحرکة الرائدة و ثورة الشعب)هي التي شکلت إيدئولوجية الثورة الإسلامية و هي التي حظيت بنفوذ عميق بين أفراد الشعب الإيراني» (زيباکلام،2004م: ص 15).
هناک أربعة أهداف رئیسیة توفّرت الأرضية للثورة:
· «الهدف الديني: إسقاط نظام الشاه أو الملک من أجل إقامة الحکومة الإسلامية.
· القيادة الفذة: قدرة الإمام الخميني بين الجماهير و حِکمته المعروفة بالشجاعة في اتخاذ المواقف و القرارات.
· الشمول الجماهيري لهذه الحرکة الإصلاحية: الجماهير هم وقود الحرکة و أداة تفجيرها.
· العلاقة التنظيمية بين القيادة و الجماهير» (راجع: صدی الثورة(بلا مؤلف)،1983م: ص56-52).
دور رجال الدين في الحرکات الإصلاحية في إيران المعاصرة
من الواضح أنّ المنقذ و السبيل الوحيد في هذه الحرکات الإصلاحية، هم رجال الدين. مواقف العلماء الدينية في هذه الحرکات تدلّ علی ضميرهم الديني اليقظ الذي يأبی أيَّ تسلط أجنبي علی مقدرات المسلمين.
«لقد کان لجمال الدين الأفغاني تأثير کبير علی علماء الشيعة و کان له دور کبير في حرکة التبغ و التنباک التي کانت قيادتها منحصرة في رجال الدين و کانت ضربة قاصمة للديکتاتورية الداخلية و الإستعمار الخارجي» (ولايتي،1982م: ص134).
کان جمال الدين الأفغاني علی صلة بالميرزا الشيرازي و متأثرا بأفکاره؛ فقد وضح للشيرازي بأنّ الأجنبي قد توغّلت في البلاد الإيرانية و أنّ الأجانب قد تطاولوا علی حقوق المسلمين و کان يشير بذلک إلی قضية منح إمتياز التبغ و التنباک إلی شرکة انجليزية من قبل الملک الإيراني. کان رجال الدين في کل بلد من المجتمع الإيراني في طليعة هذه الحرکة: الحاج ميرزا جواد في مدینة تبريز، السيد النجفي في مدینة إصفهان، السيد فال أسيري في مدینة شيراز، الميرزا محمد حسن الآشتياني و آخرون في طهران. و في النهاية أصدر المرجع الديني الکبير، الميرزا الشيرازي، فتواه الشهيرة بتحريم استعمال الدخانيات بأيّ شکل من الأشکال و إنتهی الأمر بإلغاء امتياز التبغ و التنباک في إيران.
· لا ننکر الدور الرئيسي للعلماء الدينية في الحرکة الدستورية. إنهم حملة أعلام هذه الحرکة؛ بحيث تحقّقت هذه الحرکة بقيادة علماء النجف و طهران و في رأسهم السيد محمد کاظم الخراساني و السيد عبدالله المازندراني و الميرزا حسين بن ميرزا خليل و خاصة في الرسالات التي أرسلها السيد البهبهاني و السيد الطباطبايي و السيد فضل الله النوري و ... . کان لجمال الدين الأفغاني أيضا دور کبير في الحرکة الدستورية؛ بحيث أنّ کثيرا من الباحثين يعتبرون رسالاته مؤثرة في هذه الحرکة الإصلاحية (راجع: حائري، 1360 هـ .ش: ص4؛ التيارات الفکرية للمشروطة(بلا مؤلف)،1386هـ.ش: ص52).
في رأي علماء الدين أنّ السبيل الوحيد لنجاة الشعب الإيراني من أيادي الاستعمار و سلطة الأجانب هو تأميم النفط الإيراني. إن کانت تطرح خطّة تأميم النفط الإيراني علی يد الدکتور محمد المصدق و لکن آية الله الکاشاني تمهّد السبيل لهذه الحرکة؛ بحيث إنّه أول عالم ديني ينادي بهذا الشعار: « ليس النفط الإيراني إلّا للشعب الإيراني» . إنّ کثيرا من رجال الدين مثل آية الله البروجردي و آية الله الخوانساري و السيد بهاء الدين المحلاتي و السيد الشاهرودي و ... أيّدوا رأي السيد الکاشاني.
طبعاً أنّ الثورة الإسلامية مَدينة في انتصارها الساحق علی نظام الشاه للنضالات الشعبية و قيادة علماء الدين. من الخصائص البارزة لحرکة الثورة الإسلامية (1979م) دور القيادة الدينية فيها. إنّ المراجع العظام في مدينة «قم» و الذين خطوا خطوات واسعة من أجل إعلاء کلمة الحق، فهُم رمز انتصار الحرکة الإسلامية، لکن کانت قيادة الثورة الإسلامية علی عاتق الإمام الخميني بشکل رئيسي و إذا کان لرجال الدين حصة کبيرة في قيادة الثورة فإنّها کانت علی الأغلب لکونهم أتباع و أنصار لقائد الثورة الإسلامية.
«إستند الخميني في قيادة الجمهورية الإسلامية علی ما استند عليه الرسول الأعظم (ص) في حکمه و قيادته للدولة الإسلامية الکبری؛ فأحسّت الدول الإستعماریة الغربية بمدی خطورة هذا الأسلوب من الحکم عليها و علی أنظمتها» (المطهري،1982م: ص2) و هکذا تکون الحرکة الإسلامية هذه مميزة عن سواها في تاريخ الحرکات الإصلاحية من حيث شکل القيادة و مساحة المشارکة الشعبية. إن الثورة الإسلامية التي قد فازت بقيادة دینیة فذّة، لا تخشی المؤامرات العدوانية التي تُنفذ من قِبل الدول الإستعماریة الغربية، بل تخطو خطوات العزة و الکرامة في الصراط الإلهی المستقيم.
النتيجة
لا شکّ أنّ هذه الحرکات الإصلاحية في إيران تقوم علی المفهوم الشامل للإسلام بمفهوميه العبادي و السياسي و تستلهم في خططها من مبادئ الإسلام الأساسية الداعية إلی الإستقلال و العدالة و الحریة و الإنطلاق من أيادي الإستعمار و ربقة المستکبرين.
فقد کان ظهور هذه الحرکات کردّة فعل لغزو الإستعمار الغربي السياسي و الإقتصادي و الثقافي و کانت تهدف إلی إقامة الصحوة في أفکار المسلمين و نظم حياتهم.
من الواضح أنّ المنقذ و الرائد في هذه الحرکات و الأزمات هم علماء و رجال الدين؛ بحيث لولا القيادات الدينية و لو لا الشعب الإيراني يشعر في صميم روحه و فؤاده من القرابة بهذه القاعدة الرصينة، لما حدثت هذه الحرکات الإصلاحية و التجديدية في إيران؛ فقد حضر الشعب الإیرانی المسلم بدعوة العلماء الدينية حضورا نشطاً و هاماً في المجالات و الساحات المختلفة و نحن شاهدنا نماذجاً من حضورهم الإيجابي في الحرکات الإصلاحية التي حدثت في إيران المعاصرة.
في الحقيقة أنّ الحرکة الثورة الإسلامية و قيادتها الفذّة تحتلّ الصدارة في قائمة الحرکات الإصلاحية و القيادات السیاسیة الإسلامیة.
قائمة المصادر
· القرآن الکريم.
· براون، ادوارد، تاريخ ادبيات فارسي (تاريخ الأدب الفارسي)، ج2، ترجمة علی پاشا صالح، تهران (طهران)،انتشارات امیرکبیر (نشر أميرکبير)، بلا تاریخ.
· جريانهاي فکري مشروطه، مجموعه سخنرانيها(التيارات الفکرية للمشروطة، مجموعة خطابات،بلا مؤلف)، تهران (طهران)، انتشارات مؤسسه مطالعات و پژوهشهاي سياسي، (نشر معهد القراءات و البحوث السياسية)، چاپ اول(الطبعة الأولی)،1386 ﻫ.ش.
· حائري، عبدالهادي، تشيع و مشروطيت در ايران و نقش ايرانيان مقيم عراق، (التشيع و المشروطة في إيران و دور الإيرانيين المقيمين في العراق)، تهران (طهران)، انتشارات اميرکبير(نشر أميرکبير)، 1360 ﻫ.ش.
· الحرکات الإسلامية في القرن الأخير،مجموعة مقالات، بلا مؤلف، ترجمة: صادق العبادي، بيروت، نشر دار الهادي، الطبعة الأولی، 1982 م.
· روحانيت و ملي شدن صنعت نفت ، مجموعه سخنرانيها (العلماء الدينية و حرکة تأميم صناعة النفط)، مجموعة خطابات،بلا مؤلف، انتشارات مؤسسه مطالعات و پژوهشهاي سياسي، (نشر معهد القراءات و البحوث السياسية)، تهران(طهران) ، چاپ اول(الطبعة الأولی)،1385 ﻫ.ش.
· زيبا کلام، صادق، الثورة الإسلامية في إيران، الأسباب و المقدمات، ترجمة و دراسة: هويدا عزت محمد، مراجعة و تقديم: بديع محمد جمعة، بیروت، دار الکتاب، 2004 م.
· سقوط قاعدة المکر، مجموعة خطابات،بلا مؤلف، ترجمة نورالدين، مرکز إعلام الذکری الرابعة لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، طهران، نشر الثقافة الإسلامية، الطبعة الأولی، 1983 م.
· صدی الثورة (مقتطفات مما کُتب في الصحافة العالمية عن الثورة الإسلامية في إيران) بلا مؤلف، ج1، طهران، نشر وزارة الثقافة، الطبعة الأولی، 1983 م.
· طلوعي، محمود، زمينه انقلاب، داستان انقلاب (مجال الثورة، قضية الثورة)، تهران(طهران)، انتشارات علم (نشر علم)، 1384 ﻫ.ش.
· کرماني، ناظم الإسلام، تاريخ بيداري ايرانيان (تاريخ يقظة الإيرانيين)، تهران(طهران)، انتشارات بنياد فرهنگ (نشر مؤسسة الثقافة)، 1346 ﻫ.ش.
· متيني، جلال، نگاهي به کارنامه سياسي دکتر محمد مصدق (نظرة إلی سجل الأعمال السياسية للدکتور محمد المصدق)، تهران(طهران)، انتشارات کتاب (نشر کتاب)، 1384 ﻫ.ش.
· المطهري، مرتضی، مقالات حول الثورة الإسلامية في إيران، ترجمة: محمد جواد المهري، طهران، نشر وزراة الإرشاد الإسلامي، 1982 م.
· نجاتي، غلام رضا، التاريخ الإيراني المعاصر،إيران في عصر البهلوي، نقله إلی العربية عبد الرحيم الحمراني، قم، دارالکتاب الإسلامي، الطبعة الأولی، 2008 م.
· نزار، جعفر حسين، إيران في المخاض و التيار السياسي المضادّ، بیروت، نشر دار التوجيه الإسلامي، الطبعة الأولی،1979 م.
· ولايتي، علی أکبر، مقدمة فکرية لحرکة المشروطة، طهران، نشر الثقافة الإسلامية، 1982 م .