الثورة الإسلامية في ايران جذورها و أهدافها ؛ مقارنة بالثورات العربية
الملخص
اليوم، الصحوة الإسلامية هزّت أساس القيم المادية في المنطقة، بحيث جعلت الشعوب تقف في وجه الظلم و ترفع شعار الاستقلال و الحرية. إنّ نهضات الشعوب ترتبط بظروفها الجغرافية و التاريخية و السياسية و الثقافية الخاصة ببلدانها، لکنّ تجارب کل شعب تستطيع أن تکون نافعة للشعوب الأخرى . الثورة الإسلامية فی ايران خير أنموذج لتحقق إرادة الشعب أمام سلطة الحاکم، لأنّها نابعة من مدرسة العقيدة الإسلامية و القيادة الدينية؛ اللتين تقومان علی العقلانية التی ترفض الاستعباد و الرکوع أمام العدو و الغفلة عن مخططاته. المدرسة التي لم تتعلق بالشعب الإيراني فحسب، بل تتعلق بکل الشعوب المسلمة التي بُعِثت روح الثورة و الوحدة فيها ضد عدوّها المشترک الذی يهدف تحطيم العالم الإسلامی.
الإسلام هو الباعث الرئيسي في نهضة الشعب الإيراني و انتفاضتها ضد الملك (الشاه) و النظام الملكي في إيران. إنّ الهوية القرآنية هی العامل الرئيسي لصمود الشعب الإيرانی في السنوات المنصرمة. فإنّ شعوب المنطقة لن تذوق طعم الهزيمة، إن حافظَ على المعايير القرآنية و قدّم الموت والشهادة على الحياة في ظل الحاكم الظالمالمستبد. الثورة الإسلامية في ايران ثورة فكرية وثقافية ومعنوية وأخلاقية من قبل أن تكون ثورة سياسية؛ إنها تهدف إلى تطبيق حاكمية القيم الأخلاقية والإنسانية والإلهية على المجتمع في جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية.
إنّ لهذه الثورة أهدافاً قريبة المدى و متوسطة و بعيدة:
الأهداف القريبة و هی: 1- إسقاط النظام الملكي 2 - تأسيس نظام سياسي يقوم على ركائز أربعة و هي: الإسلامية ـ السيادة التامة و الشاملة ـ الحرية و الديمقراطية ـ و رعاية مصالح الشعب.
الأهداف الوسطية و هي: 1- ترسيخ و تثبيت النظام الإسلامي و تحصينه حيال التحديات و المؤامرات التي تواجهها منذ الانتصار إلى الآن. 2-تطوّر و ازدهار البلاد في المجالات العلمية وغیرها. 3- إنتشار فكرة الثورة الإسلامية في العالم الإسلامي و سائر البلاد الأخری، عبر تقديم أنموذج حقيقي و واقعي من تنفيذ ارادة الشعب المضطهد علی القدرة الحاکمة الظالمة. 4- كسر هيمنة القوى الإستكبارية في العالم.
أهدافها البعيدة فهي : 1- تطبيق القوانين الإسلامية بكاملها على المجتمع 2- تقدم البلاد في جميع المجالات
من سائر أهداف الثورة الإسلامیة في إیران هي النیل إلي العدالة و الحریة، و رفض السیطرة، و محاربة الظلم و الاستعباد، و محاربة الاستكبار، و إعادة العزة الوطنية، و التوجه الديني، و الإستقلال، و حكومة الشعب الدينية (الديموقراطية الدينية). فإنّ الحریة والکرامة من أعظم نعم الله على الإنسان، وهي مقدمة لکثیر من النعم الأخرى و ینبغي أن یستعین شعوب المنطقة بالصبر و المقاومة و التضحیة حتی تتمکن من الحصول على حَقّهم المغتصب، کما فعل الشعب الإیراني، في ظل التعالیم القرآنيّة و مدرسة عاشورا و القیادة الدينيّة و الإيمان بقوتهم و هذا هو ما فعله الشعب المصريّ و الشعب التونسيُّ و غيرهم من الشعوب الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي.
الکلمات الرئیسية: الثورة الإسلامیة، الأهداف، القیادة الدینية، الثورات العربية.
۱- الاستاذ المشارك في فرع اللغة العربية و آدابها من ايران، جامعة«اراك»الواقعة في المحافظة المركزية
۲- ماجستير في اللغة العربية و آدابها من ايران جامعة«اراك».
مقدمة
التغيير إحدى ضرورات الحياة. وقد يكون هادئا فلا يتجاوز الإصلاح، وقد يكون مفاجئا وعنيفا فيقفز إلى مستوى الثورة. والإسلام دين الحياة يُقَنّنُ حالة التغيير والثورة والإصلاح. إن البشر يصنعون تاريخهم، کما قال الله تعالی «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِم ».(الرعد/11) ولکن أکثر الحکومات المستبدة لا تؤمن بقدرة الشعوب علی إمکانية التغيير.
في القرآن الکريم آيات متعددة يشجع الناس بالمقابلة في وجه الظلم؛ منها:
وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ. (الحج/40)
وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرينَ عَلَى الْمُؤْمِنينَ سَبيلاً.) النساء/ 141)
«مفهوم الثورة بشکل عام، و کما هو متعارف عليه في العلوم السياسية، هو تغییر شامل و أساسي لنظام بالٍ، یشمل هذا التغيير کافة المجالات السياسية، و الإجتماعية، و الإقتصادية، و غالباً ما یوکب هذا التغيير العنف و الدمار و إراقة الدماء».(زیبا کلام، 2004م.: 15)
ومفهوم الثورة من الرؤية الإسلامية، فهو نوع من الجهاد الباطني تقوم به طائفة لله و في سبيل الله ضد طائفة أخری کافرة تصدّ عن طريق الله، و يتضح ذلک في قوله تعالی: «قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ أُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ ». (آل عمران/13)
نجحت الثورة الإسلامية الإيرانية في عام (1979م.) بعد إراقة الدماء و جهود شعبية کثيرة و کانت تتمتع بصفات و خصوصيات معينة کالمشارکة الشعبية الشاملة، و القيادة الدينية، و الایدیولوجية الإسلامية و...
بعد عقود من اليأس و الخيبات، حصل ما لم يتوقّعه الکثيرون، و قد انطلق الثورة من محطة عربية إلی أخری. و خرج مئات الآلاف يطالبون باسقاط النظام و نجحت الثورة في تونس و مصر و غيرهما. فهذه الثورات الشعبية کسرت حاجز الخوف لدی الشعوب و تجاوزت الأطر التقليدية.
إنّ نهضات الشعوب و ثوراتهم ترتبط بظروفها الجغرافية و التاريخية و السياسية و الثقافية الخاصة ببلدانها، لکنّ تجارب کل شعب تستطيع أن تکون نافعة للشعوب الأخرى . هذا المقال جهد متواضع لتبيين بعض جهود الشعب الإيراني في مسير انتصارهم علی الظلم الشامل لنظام «البهلوي» و تمرکز المقالُ إلی دور الإسلام و القيادة الدينية في سبيل انتصارهم و نرجو أن يَتّضِح هذا البحث تجربة الشعب الإيراني في ثورتهم الإسلامية کأنموذج لتحقق إرادة الشعب أمام سلطة الحاکم.
اسباب ظهور الثورة الإسلامية في إيران في عام (1979م.):
الف ـ الأوضاع و الظروف السياسية
ب ـ الظروف الإقتصادية
ج ـ الظروف الإجتماعية
***
من وجهة نظرنا أنّه بدون إدراک جميع التطورات السياسية و الإجتماعية و الدينية المعاصرة لإيران، ليس من الممکن تتبع أسباب ظهور الثورة الإسلامية.
«و قد تمثلت هذه الأسباب المُفجّرة للثورة في فساد الشاه و ساسته؛ ممّا أدّی إلی العديد من الأخطاء في الداخل و الخارج، و کذلک الإخفاق في محاولات التنمية الإقتصادية و هيمنة المؤسسات الأمنية و بخاصة «الساواک» علی جمیع المناحي في إيران، ممّا خلق من التوتّر و الترقّب، و تطلّع الإیرانيون للخلاص من هذا الکابوس الکامن فوق صدورهم والذي تزامن مع تزاید النفوذ الأجنبي في إيران، و أعاد إلی الأذهان شبح الإمتيازات الأجنبية التي سبق أن عانی منها الشعب الإیراني خلال القرن التاسع العشر و أوائل القرن العشرين». (زیبا کلام، 2004م.: 7)
***
الف ـ الأوضاع و الظروف السياسية
حینما تتّسع الفجوة بين القوة السياسية و طبقات المجتمع یقوم ذلک المجتمع بثورة، و هذا ما حدث في إيران إبان حکم «محمد رضا شاه»، ففي عهده، قلّما وجدنا القوة السياسية تحظی بقبول إجتماعي أو بقاعدة شعبية. و تُعتبر فترة الأربعة عشر عاماً الأولی لحکمه (1941-1955م.) من أکثر الفترات توتراً في حياة إیران السياسية، حيث وقعت تحت إحتلال قوات الحلفاء، و کان «الشاه» يدين بالولاء لهم لمساندتهم إياه للوصول إلی أريکة الحکم.
« و في هذه الفترة ظهرت علی الساحة السياسية في إيران مجموعة من الأحزاب السياسية، منها علی سبيل المثال لا الحصر: " همراهان" (الرفاق) ، و "آزادی" (الحرية)، و "میهن پرستان" (الوطنيون)، و ....
و لکی يحکم «الشاه» قبضته، قام بتکوين أحزاب شبه عسکرية، و بثّ عناصرها داخل الجيش و المجتمع، و منها: حزب "سوسياليزم ملی کارگران إيران" ( الإشتراکية الوطنية لعمّال ايران) و اختصاره "سومکا"». (نفس المصدر:20)
و کانت بعض هذه الأحزاب تدين بالولاء للقوی الأجنبية (أمريکا، و انجلترا، و ألمانيا و الاتحاد السوفيتي. و البعض الأخر يعمل تحت عباءة «الشاه»... و في عام (1960 م.) كان «الشاه» قد عمل على القضاء علي الأحزاب السياسية ، كما أغلق الجمعيات المهنية والنقابات العُمّالية و رغب في توحيد الأحزاب في حزب واحد هو حزب "رستاخيز" ـ «النهضة أو البعث» ـ و لم یکن یعني ذلک، مشارکة تلک الأحزاب في نشاط سیاسی تحت لواء الحزب الجديد بقدر ما کان يعني وقف نشاط المعارض منها و دمج موالي له في حزب واحد.
«و ازدادت سياسة الشاه تجاه معارضيه حدة، ... و لم یکتف الشاه بعدم تفعيل النشاط السياسي داخل المجتمع من خلال الأحزاب المتنافسة، بل کان یتّبع سياسة "فرّقْ تَسُد" و ملأ الادارات الحکومية بعيونه، و لم یکن یسمح لأی مسؤول بالبقاء في مکتبه في انتهاء مواعيد العمل الرسمية، و فرض الرقابة علی الصحف و الجرائد و المطبوعات ، بحيث لم یجرؤ امرء علی نقد «الشاه» أو احد المقربين منه». (نفس المصدر.: 22)
في غضون عام (1961م.) بدأت بعض الأحداث تطرح نفسها علی الساحة السياسة الدولية، لتضفي طابعاً مميزاً علی العلاقات الأیرانیة الأمريکية في تلک الآونة. فمن جهة ، أعلنت بريطانيا عن نواياها في سحب قواتها العسکرية عام (1971م.) من قواعدها في منطقة شرق السويس و الخليج الفارسي ؛ نظراً للمشاکل المالية التي تواجهها. و تحيّنت أمريکا الفرصة ، و عملت علی إرساء تواجدها السياسي و العسکري في منطقة الشرق الأوسط ، و زادت من تعاونها مع الدول و الإمارات المطلة علی الخلیج الفارسي، و مع إيران بصفة خاصة.
من جهة أخری، بعد انسحاب بريطانيا من المنطقة، توجهت بعض الدول العربية الراديکالية (مثل مصر و سوريا و الجزائر و العراق) إلی تأسيس اتحاد سياسي يناهض رؤساء الدول الأخری الموالية لأمريکا، تزعم هذه الحرکة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر؛ لذا سعی «الشاه» لتحديث معداته العسکرية تحسباً لإحتمالات الخطر.
و أدّی هذا الوضع إلی استياء طبقة رجال الدين، و في مقدمتهم زعيم الثورة الإسلامية الإمام الخميني الذی نَقَدَ سياسة «الشاه» نحو التسليح، و تساءل في حيرة عن الأهداف الحقيقية وراء هذه السياسة و عن المستفيد الأول منها، و يقول:
«... لا أعلم ما هو الهدف من وراء شراء هذا الکم الهائل من الأسلحة؟! هل من أجل طرد المستعمرين و أعوانهم؟ أليس «الشاه» نفسه من المنتمين إليهم؟ أليست إيران قاعدة عسکرية لهم؟...». (الخميني، 1997م.: 44)
و استمر الاستياء العام داخل إیران من تغلغل النفوذ العسکري الأمريکي، و أعربت الجماعات الثورية عن استيائها ... و صارت العلاقات مع أمريکا أحد محاور ثورة الشعب، خاصّة مع وصول بيانات الإمام عبر شرائط الکاسيت لحث الأهالي علی رفض النفوذ الأمريکي و الإطاحة بنظام الشاه الموالي لأمريکا، و تنامت الحرکة الشعبية، و ازدادت حرکة النشاط الطلابي في الجامعات و عمّ الاعتصام و الإضراب معظم المصالح و الإدارات الحکومية ، إلی أن وقع حادث سينما «رکس» بمدينة «عبادان» في 19 أغسطس من عام (1978م.) و قتل الحريق 277 شخصاً و بعد الحادث إعتبر الشعب أن جهاز «السافاک» هو المسؤول عن الحريق المذکور، فبذلک قد تهيأ المجال أکثر من ذي قبل للثورة، و لم يجد الشاه حلاً للأزمة سوی إقالته لحکومة «آموزگار» و تعيين «جعفر شريف إمامي» رئيساً للوزراء.(راجع: نجاتي، 2008م.: 544؛ زيبا کلام، 2004م.: 46)
حاول رئيس الوزراء الجديد للقضاء علی سوء التفاهم القائم بين النظام و رجال الدين إلا أنّها جميعاً باءت بالفشل و استمرّت المسيرات الشعبية اعتراضاً علی النظام و بدأت الحکومة في اتخاذ إجراءات مضادة انتهت بمذبحة يوم الجمعة السوداء (جمعه سیاه) ، و کانت من أکبر الأخطاء التي ارتکبها نظام «الشاه» حيث لم تترک مجالاً للمصالحة بين الحکومة و الشعب ... و سارت الأوضاع من السيّء إلی الأسوأ حتی انتهت إلی أحداث «تاسوعاء» و «عاشوراء» (10، 11 ديسمبر 1978م.) ، التي کانت استفتاءً حقيقياً يُدين نظام «الشاه» و يؤکّد علی زعامة الخميني. (راجع: نجاتي، 2008م. :558ـ 560)
أثناء ذلک لم يتورع النظام عن ارتکاب المذابح الوحشية ضد الأهالي. و کان الأمل الوحيد و الأخير لدی «الشاه» في تشکيل حکومة ائتلافية برئاسة «شاهپور بختيار» الذی اقترح مغادرة الشاه إيران حتی تستقرّ الأمورُ، و بدأ في تکوين وزارته في یناير عام (1979م.). و علی أي حال، فقد رحل الشاه عن إيران في یناير عام (1979م.). و أعلنت الهيئة الدينية انتفاء الشرعية عنه، و خلعه عن الحکم و إقرار النظام الإسلامي الجمهوري، و عدم الإعتراف بحکومته. ومع عودة الخميني في أول فبراير عام (1979م.) أعلن تعيين «مهدي البازرگان» رئيساً للحکومة الإسلامية المؤقتة، للإشراف علی الاستفتاء الذي سيمهّد لإعلان الجمهورية الإسلامية في إيران.
«علی هذا النحو سقط النظام الشاهنشاهي، و کان هذا السقوط هو النتيجة الحتمية لنظام دَأَبَ علی ممارسة الضغوط السياسية، و القيام بحملات الإعتقال المُوَسَّعَة، راج خلاله الفساد و الرشوة، واعتمد علی القوة العسکرية في تعامله مع الأهالي، و خنع للقوی الأجنبية (أمريکا) و ساهم في بسط نفوذها، و افتقد القاعدة الشعبية المؤيدة له، و سعی لرفاهية الأقلية الحاکمة، بينما ازداد الشعب فقراً و حرماناً،و ساهم في استياء الغالبية العظمی من أفراد المجتمع بعدم اکتراثه بقيم هذا المجتمع و عاداته و تقاليده و عقائده الدينية، مثل هذا النظام کان لابدّ و أن یهیئ الأجواء لتحقيق حرکة ثورية تسقط شرعيته و تحلّ نظاماً آخر محلّه، علی أمل الخلاص و الحرية و الدمقراطية و العدالة الإجتماعية». (زیبا کلام، 2004م.: 50-49)
في الواقع أنّ «الشاه» لايکترث بثورة الشعب هذه و کان يعتقد أن معارضيه ينحصرون في «بضعة آلاف من رجال الدين الرجعيين»، «حفنة من الشيوعين ممَّن لاينتمون للوطن»، «عدد من المثقفين سطحيي النظرة لا شأن لهم»، «عدة آلاف من الطلاب الشبان المنخدعين عملاء الأجانب».
و يعتقد أن الکثيرات من النساء العاملات و المتعلمات يؤيدنه، بسبب منحه إيّاهن حق التصويت و حق الطلاق و إخراجه لهن من جدران البيت الأربعة و دخولهن ساحة المجتمع. (راجع:نفس المصدر: 80 )
و کانت أمريكا ـ علی عکس ما نتوهم ـ تفقد المعلومات الصحيحة حول وضع نظام «الشاه» و مکانته بين الشعب.
ب - الظروف الإقتصادية
ما حدث من تطورات علی مدی القرنين الأخيرين في بلدان العالم الإسلامي و منطقة الشرق الأوسط، إسستتبعه هجوم سياسي و ثقافي و عسکري غربي علی المنطقة و أثَّرَ بِدَوره علی الشعب الإيراني.
و تَعدّ الفترة المواکبة لقيام الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945م.) هي بداية تغلغل النفوذ الإمريکي في إيران، حينما قامت القوات الأمريکية بنقل المعونات العسکرية إلی الاتحاد السوفيتي عبر الأراضي الإيرانية.
«کان القصور في الخدمات الإجتماعية، و البطالة المتنامية، و توسيع الفجوة بين الطبقة المرفهة و طبقات المجتمع الأخری من عوامل الإستیاء الأجتماعي التي مهّدت سبيل الثورة». (نفس المصدر: 36)
«في الحقيقة أن مشروعات الشاه الإقتصادية لم تحقق المرجو منها بسبب ارتباط الإقتصاد بالحکومة و عوامل الضعف و الرکود و البيروقراطية . و أن سياسة الشاه في التحديث قد استندت علی الدعاية الواسعة عن طريق أجهزة الإعلام المحلية، کما اهتمّت بنشر الثقافة الغربية و إدخال التکنولوجيا الحديثة دون دراسة جيدة حول کيفية الإستفادة منها لتطوير المجتمع الإيراني بشکل واقعي. ترتب علی ذلک وضع جميع امکانيات الدولة علی الدعاية الواهمة للشاه و تحويل إيران إلی سوق رائجة لبضائع الغرب. إن جزءا من الزيادة الضخمة في عائد النفط کان يوجه لشراء أسهم الشرکات و المصانع الخاسرة في أوروبا و أمريکا، و جزء آخر کان يوجه لشراء المنتجات الزراعية کالقمح، و الأرز، و ... من أمريکا و تايلند و...أما الجزء الأکبر فکان يوجه لتحقيق طموحات الشاه في تسليح إيران بأحدث ما توصلت أليه تکنولوجيا الصناعة العسکرية. و کان ثلث ميزانية الدولة تقريباً ينفق علی الجيش و قوات الأمن». (شيرازي، 1370ه.ش: 31)
ج ـ الظروف الإجتماعية
إن إيران الحديثة في عهد «محمد رضا شاه» لم تختلف کثيراً عن إيران المتخلفة في عهد «ناصرالدين شاه القجر». فإذا کان أمر الملک القجري یسري علی جميع شئون المملکة في المرحلة الأولی، ففي المرحلة الثانية کانت أوامر «محمد رضا شاه» هي التي تُصَرِّفُ کل کبيرة و صغيرة داخل المملکة و کانت المشارکة السياسية للشعب و تدخله في شئون الدولة و تحديد السياسات في العصر البهلوي نادرة، بل منعدمة کما کانت في العصر القاجاري.والإستبداد السياسي، و الظلم ، و سياسة «الشاه» و البلاط و الحکام المطلقة العنان، و عدم محدودية نفوذهم، و انعدام وجود القانون و الأمن الفردي، و تدخل الأجانب و امتداد نفوذهم في شئون الدولة، و اعتقال کل فکرٍ لا تستحسنه الحکومة أو تعتبره غير صالحة و القضاء عليه، کلها کانت من عوامل أساسية أوجدت المعارضة و الثورة ضد النظام القاجاري في قالب الثورة الدستورية (انقلاب مشروطه). بعبارة أخری، علی الرغم من ظهور الأفکار الحديثة و الثورة الواعية منذ أواخر القرن التاسع عشر في إيران، إلا أنه لم يتمّ أيُّ تطور أو تغيير سياسي مهم. فالهيکل السياسي للمجتمع الإيراني في الربع القرن العشرين کان بکراً متحجراً غير مستصلح کما کان في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فلم يکن يوجد فاصل بين آلام و آمال جزء کبير من الشعب السياسية ـ خاصة طبقة المتعلمين و المثقفين في المجتمع ـ في کلا العصرين علی الرغم من مرور مائة عام.
هناک سلبيات عديدة داخل المجتمع الإيراني في عهد محمد رضا شاه، منها:
1ـ انعدام حرية العقيدة و الفکر و البيان و الإجتماعات و المطبوعات.
2- الإعتقال غير القانوني لآلاف النساء و الرجال و الشيوخ و الشباب حتی لمن لم يبلغ منهم العمر القانوني.
3- استخدام کافة أنواع التعذيب الجسدي و النفسي، و الذي يفضي في کثير من الأحيان إلی الموت أو بتر عضو من أعضاء الجسد...
لذا لم نبتعد عن الحقيقة لو نقول: إن الثورة الإسلامية کانت حرکة لتدمير الهيکل القديم و سحقه و طرح ترتيب جديد.
دور الإسلام في انتصار الثورة الإسلامية في إيران في عام (1979م.)
«کان الإسلام مظلوماً علی مدی قرون طويلة؛ لأن ما يدعو إليه کان مغيباً، و لم تتمّ ترجمة تعاليمه و أحکامه في الواقع في أي وقت؛ إذ جهد جناة التاريخ علی إبقاء الإسلام في الظلّ، و حرصوا علی جهل الشعوب بتعاليمه ؛ و لم يسمحوا بالتعريف بهذا الدين التحرري، و الرسالة التي تحثّ علی الإستقلال،والمذهب الذي يشنّ الحرب ضد الظالمين و يحتضن المحرومين و المستضعفين». (الخميني، 1997م.: 67)
إن التحول الذي أوجدته الثورة الإسلامية في إيران، يمکن توضيحه في عنوان عام و هو ازدياد أهمية عناصر، کالثقافة و الدين و الإيديولوجية و القيادة.
الثورة الإسلامية فتحت المجال أمام موضوعة الثقافة و خاصة الثقافة الدينية التي کان يهتمّ بها سابقاً في عمليات التنظير لتدخل ميدان التنظير الثوري بشکل فعال.
یقول د. علی شریعي: إن الإسلام کثورة هو أيديولوجية إلهية جاءت لتحرر الطبقة المحکومة من ظلم الطبقة الحاکمة ، و لتهدم القيم اللاأخلاقية للطبقة الحاکمة. (شريعتي، اسلام شناسي، 1386ه.ش.:6)
فالإيدیولوجية الإسلامية ـ في رأي «شريعتي» ـ هي القادرة علی بناء مجتمع مثالي و بالتالي إنسان مثالي.و سيعکس هذا المجتمع وحدة الفکر و الحرکة بشکل متکامل و ليس متناقضاً، و يجمع بين الروحي و المادي بشکل منسجم کما يوحد بين الإنسان و مجتمعه و الکون بأسره في اتجاه الکمال. و قد أمل الدکتور علی شريعتي في أن يصبح علم الإجتماع الإسلامي الذي عمل علی تطويره أداة لتحليل الإيدیولوجية الإسلامية و لفهم المجتمعات الإسلامية المعاصرة ـ خاصة المجتمع الإيراني ـ و تقرير ما يحتاجه من إصلاح و تغيير علی أساس العقائد و المبادئ الإسلامية. (راجع: شريعتي، جهانبيني و ایدیولوؤي 1386ه ش.: 36)
«إعتبر «شريعتي» أنّ التغيير العقائدي هو شرط مسبق لتحقيق التغيير الإجتماعي. فالتغيير يجب أن يتبلور أولاً في ضمير البشر و إلا فإنّه لن يتخذ أبداً شکل حرکة إجتماعية. کان الإسلام هو إيدئولوجية التغيير: الإسلام کرؤية شاملة للعالم و للواقع، و کمنهج لإخراج ما بداخل الإنسان من إبداع و نزوع نحو الکمال ـ علی المستويين الفردي و الجماعي. فالإسلام يدفع بالإنسان الذي خلقه الله من الطين و الروح بعيداً من الطين و صعوداً نحو الروح: أي نحو الکمال، في إطار عملية متواصلة لتحرير الذات و المجتمع. فقد آمن «شريعتي» بأن الکمال الفردي لن يتحقق بمعزل عن الکمال الجماعي ... و فيما يتعلّق بشعوب العالم الثالث بصفة عامة، فقد اعتبر د. شريعتي أن المهمة الأولی أمامهم هي إحياء هويتهم الثقافية المتميزة التي يشکل الدين رکيزتها الأساسية».(عبد الناصر،1997م.: 17)
«هذا الجهاد يتم دوماً لصالح فئة المستضعفين المظلومين، و يستمدّ جذوره من العقيدة و الإيمان بالله، و يستند جذوره من العقيده و الإیمان بالله، و يستند إلی حرکة الأتقياء و الصالحين الرائدة، و ثورة الشعب. و هذه الأرکان الثلاثة (الإيمان بالله، و الحرکة الرائدة، و ثورة الشعب) هي التي شکلت أيدوئولوجية الثورة الإسلامية، و هي التي حظيت بنفوذ عميق بین افراد الشعب الإيراني، باعتبار أن الدین الإسلامي هو دین الأغلبية في المدن و القری و یعتنقه الغني و الفقير». (زیبا کلام، 2004م.: 15)
في رأي الخميني أنّ الإسلام هو الذي أوجد الإنسجام بين صفوف الشعب الإيراني. إن قوّة الإسلام کانت خافية علی شعوب العالم، و إنّ ما حدث في إيران في عصرنا هذا ليس أکثر من نموذج متواضع لهذه القوة. و قد استطاع هذا النموذج أن يبرهن علی أنّ الاسلام قادر علی تربية شبابنا بنحو يکونون علی أُهبة الاستعداد دوماً للتضحية بأنفسهم تلبيةً لدعوة الإسلام في الوقوف بوجه الکفر و الزندقة و في مقابل الظلم و الظالمين. (راجع: الخميني، 1997م.: 68)
في الحقيقة أن ماهية هذا التفکير نابعة من نفي الظلم و الخضوع له، و رفض مبدأ القوة و التسلّط، و انکار السکوت و التصرف الانفعالي.
دور القيادة الدينية في انتصار الثورة
فی التاریخ الإیرانی المعاصر هناک تجربتان هما الثورة الدستوریة (انقلاب مشروطة) و حرکة تأمیم النفط (جنبش ملی کردن صنعت نفت) و قد کان الدور الفذ للشعب عاملاً مؤثراً فی النجاحات الأولیة لهاتین التجربتین التاریخیتین، و بما أنّ هاتین الحرکتین ابتعدتا عن الشعب، کانت نهایتاهما إستبداد «رضا خان» و إنقلاب 28 «مرداد».
لکن من الخصائص البارزة للثورة الإسلامیة(1979م.)دور القيادة فيها. کان الخميني و تدبیره و عمق نظرتهمن أهم مميزات هذه الثورة.
وقد اعتمد قائد الثورة الإسلامية على العامل الديني في تكريس حقوق الشعب. الديموقراطية بصفتها أداة جديدة لتحقيق الارادة الشعبية في البيئة الدينية. إنّ الخميني کان فقيها عقلياً، حيث يحظى العقل والاجتهاد في فكره الفقهي بمكانة خاصة، تطرق إلى الدفاع عن الديموقراطية الدينية. إنّه كان يعتقد أن الديموقراطية الحقيقية هي في الاسلام والمساواة والحرية. (راجع:ضيائي، 1381ه.ش: 28)
وهنا قال الخميني في وصيته التاريخية: «و وصيتي إلی شعوب البلدان الإسلامية ألا تنظروا أن يأتيکم أحد من الخارج ليُعينکم علی الوصول إلی الهدف و هو الإسلام و تطبيق أحکامه. عليکم أن تنتفضوا من أجل هذا الهدف الذي يحقق الاستقلال و الحرية». (اسدي، 1996م.: 150)
دور المنظمات الدينية في انتصار الثورة
«رغم افتقاد ثورة إيران المنظمات المتناسقة إلا أنها امتلکت شبکة اتصالات هائلة لم تتوفر لدی غيرها، تمثلّت في المساجد حیث أعاد إليها الخميني حالة الحرکة و دورها الرائد في اتخاذ القرار و تحديد المصير کما کان الحال في صدر الإسلام، و قد لعبت المساجد دوراً هاماً في أحداث الثورة، حيث خطب رجال الدين في المحراب و فوق منابر بيانات سياسية إسلامية، و نشروا أهداف الثورة، و فضحوا مظالم النظام و الآثار السيئة للنفوذ الأجنبي، کما قامت المساجد بدور الوسيط بين القيادة و الأهالي». (زیبا کلام، 2004م.: 18)
و لم یقلّ دور الحوزات العلمية عن دور المساجد في إيران، فکانت عبارة عن مؤسسة دينية مستقلة... و عن مکانة الحوزات العلمية و استقلالها المادي و ريادتها التصدي لعوامل الإستعمار ، یحدثنا الخميني في قوله: علی أمة الإسلام أن تعلم أن الخدمات الّتی قدّمها علماء الدين إلی الدول الإسلامية علی مدی التاريخ لا تُعَدّ و لا تُحصی. فی المثل يمکن الإشارة إلی دور «ميرزای شيرازي» في نهضة تنباکو (نهضة التبغ).
الإسلام و الدستور الإيراني
استطاعت الثورة الإسلامية في إيران أن تضع أسساً لدولتها في فترة وجيزة، فقد نجحت في إقامة مؤسسات دستورية في زمن قياسي – إذ تقل الفترة عن ثمانية عشر شهراً، أي مابين 12 فبراير 1979م تاريخ استسلام (مهدي بازركان) واستسلام (بختيار) اللذان تولّيا رئاسة الوزارة في هذه الفترة حتى 28 مايو (1980م.) و افتتاح مجلس الشوري الإسلامي ثم بناء كل المؤسسات الدستورية من قِبَل الشعب . من ممیزات الدستور الإيرانية، هي:سرعة تدوين الدستور والمصادقة عليه.
إن الشعب الإيراني يؤمن إيماناً مطلقاً بالإسلام بوصفه الشريعة التي يجب أن تقام علي أساسها الحياة، وبالمرجعية المجاهدة – القيادة الدينية – بوصفها الزعامة الرشيدة، وبالإنسان الإيراني وكرامته وحقه في الحرية والمساواة والمساهمة في بناء المجتمع.
وجاء الدستور وصورته المكتملة ليرسخ هذا المباديء وليؤكد علي إسلامية التوجه، ودينية المرجع ، وليقرر مبدأ الحكومة الإسلامية . ولذلك نری أن فقرات الدستور الايراني قد ازدحمت وتشعبت بهذه الفكرة، و شرح الدستورُ الأصولَ التي ينبغي أن تقوم عليها الحكومة، ففيه يُصرَّحُ :« لاتبنی الحكومة من وجهة نظر إسلامية علی الطبقية أو علی سلطة الفرد أو المجموعة، بل إنها مجمع للأهداف السياسية لشعب متحد في قيادته وتفكيره حيث يقوم بتنظيم نفسه حتی يستطيع من خلال الحركة الفكرية والعقائدية أن يسلك طريقه من خلال الحركة إلى الله ، نحو هدفه النهائي وهو نيل رضوان الله تعالى ). (راجع: دستور جمهورية اسلامية إيران، 1369ه.ش.: 61)
ويري الدستور الإيراني أن الهدف من إيجاد الحكومة هو هداية الإنسان للسير نحو النظام الإلهي وفقاً للبشارات القرآنية (وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثين). (القصص/ 5)
أصداء و إنعکاسات الثورة الإسلامية الإيرانية
عبر نظرةٍ عابرةٍ علی تاريخ الثورات العالمية و خاصة أهمها أي الثورات في روسيا و فرنسا و نيکاراغواي و التي حدثت کلها قبل الثورة الإسلامية في إيران، يتضح لنا أن أصداء کل من هذه الثورات لم تنحصر بداخل البلاد و إنّما کان لها انعکاسات واسعة علی الصعيد العالمي و خاصة في دول الجوار.
لذلک يُطْرَحُ هذا التساؤل لکل مراقب دولي: هل أن الثورة الإسلامية في إيران کان لها تأثيرات في العالم الخارجي؟
تُعتبرُ الثّورة الإيرانية نتاجاً و ثمرة لتجارب کثيرة و طويلة تجمعت بعد نضالات خاضتها کل الفئات و القوی الإجتماعية منذ ما يقرب من قرن من الزمن. مجموع هذه التجارب شَکّلَ أطر هذه الثورة و معالمها و رکائزها و بَلْوَرَ حیويتها و فاعليتها في تاريخ إيران.
إن الثورة الإسلامية حققت النموذج الإسلامي الجديد الذي مزج بين ما هو انساني و بين ما هو قومي و إسلامي في إطار من الحرية و العدل و المساواة و احترام الآخر دون أن يستأصل ثقافته أو يعتدي عليه.
من انعاکاسات الثورة الإسلامية الإيرانية علی النظام الدولي هو عدم انخراط إيران في عدد الدول التابعة للشرق و إعلان نمط جديد من عدم الإنحياز تحت إسم «عدم الإنحياز الحقيقي» .
إن طرح نظرية المعسکر الإسلامي المستقل يُعَدُّ من التأثيرات و الإنعکاسات الإخری للثورة الإسلامية في النظام الدولي. فهذه النظرية رسخت ـ من ناحية ـ فکرة المعسکر الثالث في النظام الدولي، و من ناحية أخری فأنّه عقدت نطفة اعلان هوية العالم الإسلامي کمعسکر مستقل، بشکل جدي.
و من إنعکاساته الأخری هي:
ـ تقوية الإسلام السياسي
ـ تفاقم الشعور بالاستقلالية و عدم التبعية
ـ تعميق الإيمان بدور الشعوب المسلمة
الوحدة الإسلامية سبيل لإنتصار الثّورات
«لابدّ للمسلمين من البحث عن ذواتهم و إغناء سُبل تقاربهم و توحيد صفوفهم، لکي ينتصروا بإذن الله، و سینتصرون إن شاء الله». (الخميني، 1997م.: 113)
« ناشد الخميني ابناء الأمة الإسلامية أن يتجاوز قوميتهم أو قطريتهم و أقليميتهم و يمدّوا ید الأخوة و المساندة لنصره أخوتهم في الإيمان من أي بلد و أن لا يبخلوا بأي عطاء أو مساندة لنصرة أخوتهم في الدين و العقيدة من أجل تحقيق حريتهم و انعتاقهم من القيود الحکام الظالمين». (راجع: اسدي، 1996م.: 151)
«اعتبر الخميني الوحدة الإسلامية هي السبیل الوحید للإستقلال و الإعتماد علی الذات، و تحدث عن وحدة إسلامية تمسح باحتفاظ کل قطر باستقلاله الذاتي و حکومته الخاصة مع تعاون کل هذه الأقطار لمواجهة أعداء الإسلام. إنّ استمرار الفُرقة بين المسلمين يحقق استمرار استغلال بلادهم و مواردهم الطبيعية من قِبَل القوی الإستعمارية. و قد اعتبر کذلک أنّ وحدة المسلمين هي طريقتهم الوحيدة لحکم العالم و إحياء حضارتهم. و طالب الخميني بالوحدة کشرط ضروري للتخلص من الوجود الصهيوني في أراضي المسلمين.
و لم ينس الخميني أن يشير إلی خطورة الخلافات المذهبية و العنصرية فيما بين المسلمين، و قد أعاد الخلافات بين السنة و الشيعة إلی القوی الإستعمارية التي هدفت من وراء ذلک السيطرة علی أراضي المسلمين و نهب ثرواتهم». (عبد الناصر،1997م.: 62-61)
و في هذا السياق فإنّ السبيل الوحيد لنجاة البلدان الإسلامية هو الدفاع عن الحرية و الاستقلال، و الأتحاد بعضها بعضاً، لکي تتجلی الصورة الحقيقية للإسلام في أنظار العالم.
وكذلك حذّر«شريعتي» من أن الإستعمار يسعی دائماً لتجزئة الدول الإسلامية و السيطرة علی کل دولة إسلامية علی حدة، کما يسعی دائماً لإضعاف عقيدة المسلمين و تدمير شخصيتهم الحضارية المستقلة، و ذلک حتی يتمکن من نهب الثروات الطبيعية للمسلمين، و فتح أبواب بلادهم کأسواق لمنتجات الدول الإستعمارية. واتهم «شريعتي» الإستعمار الجديد باستخدام قواه السياسية و الإقتصادية و الثقافية لاستغلال المسلمين و العالم بأسره. و رأی أن التناقض بين الإسلام و الإستعمار حتمي و نهايي؛ لأنّ الإسلام يدعو للحق و العدل، في حين تسعی الدول الإستعمارية، في العالم استقرار سياساتها المستغلة. (راجع: شريعتي،جهتگيري طبقاتي اسلام، 1384ه.ش: 168)
«إنّ خطر الإرتداد عن الجادّة الصحيحة و الإنحراف عنها، خطر يهدد کلّ ثورة في کل حين، و لایمکن مواصلة السير علی نفس الجادة الصحيحة إلا بحفظ الوحدة، و اتّباع قائد الثورة، و الوعي، و حدة القلوب، و الوقوف و الثبات حتی الموت علی أصول الثورة و مبادئها». (الخميني،1993م.: 19)
إن إيران اليوم بمثابة مختبر، إن انتصار الثورة الإسلامية، أعاد لكل مسلمي العالم الثقة بالايديولوجيا والدين، وأثبت أنّ الإسلام قوة لا تُقهر.
ظهور الثورات العربية
فوجيء الجميع من المحللین و الباحثین،و دوائر الاستخبارات المحلية و العالمية بما جری في تونس. و کأنّ «بوعزيزي» الذي أحرق نفسه کان الشرارة التي أشعلت البلدان العربية کلّها.
لا تعني هذه المفاجأة أن عوامل هذا الإنفجار لم تکن تخمر في داخل هذه المجتمعات منذ عقود. و لا يعني ذلک أيضاً أنّها المرة الأولی التي تحاول فيها قوی شعبية التظاهر أو النزول إلی الشارع لتحقيق مطالب إجتماعية أو اصلاحات سياسية.
ربّما لم يتوقع أحد أن تمتدّ الثورة بهذه السرعة، و في بضعة أشهر، إلی بلدان عربية عدة من تونس إلی مصر و ليبيا و اليمن و البحرين... کان السخط الشعبي قد تراکم لسنوات طويلة، هي سنوات الحاکم المستبد الذي أفقر الشعب و احتکر السلطات بيده و بيد افراد عائلته، و راکم ثروات بمليارات الدولارات في الوقت الذي کان الشعب يزداد فقراً و جوعاً. (راجع: عتريسي، 2011م.:11)
«فإن الثورة العربية اندلعت فی البدایة في تونس و مصر و نجحت فيهما و تمّ اسقاط النظام في کل منهما ...إلا أنّ ثورة هذين الشعبين أرتبطت بعنف محدود إجمالاً، بينما تصاعد العنف ،في الدول العربية الأخری. و يبدو أن التخلص من ارث الإستبداد الذي ارتبط بنظم الحکم العربية أزماناً طويلة، يحتاج إلی تکلفة بشرية عالية، نتيجة استخدام العنف المفرط». (زهران،2011م.: 83)
«لقد سقطت النظام في کل من تونس ومصر، بمساهمة مباشرة من الجيش الذي رفض أن يقف في مواجهة التظاهرات الشعبية و يغرق البلاد في حمام من الدم. و في ليبيا انقسم المجتمع و الجيش و اندلعت الحرب بين طرفين الواحد مؤيد للنظام و آخر معارض له اقتسما السيطرة علی ليبيا. و باتت الحرب ذريعة لقوات الناتو للتدخل بحجة «حماية المدنيين» و ما زاد الوضع إلاّ تعقيداً. (عتريسي، 2011م.:10)
«لعلّ القواسم المشترکة في کل الثورات العربية حتی الآن سواء التي نجحت تماماً في إزاحة رأس النظام و تواصل معرکتها لإتمام أهدافها، و سواء التي تسعی جاهدة إلی إسقاط النظام و تعاني من مأزق العنف، هو تغلیب البعد السياسي، و مواجهة الإستبداد و الطغيان و الفساد المرکب ، و سعی نحو تأسيس نظام ديموقراطي حقيقي يسهم في قيادة المجتمع إلی الأمام.
لا شک أنّ الثورة المصرية کانت نموذجاً للإقتداء، و هي اندلعت في کانون الثاني/ يناير(2011 م.) و استمرّ التظاهر الجماهيري في ميدان التحرير و غالبية الميادين في محافظات مصر، (18) یوماً، حتی أجبر الرئيس حسنی مبارک في 11شباط / فبراير، علی التنحي و تسليم السلطة إلی المجلس الأعلی للقوات المسلحة، لإدارة الشئون». (زهران،2011م.: 87-86)
من دوافع الثورة العربیة و لاسیما المصریة و التونسیة
1ـ تراکم الإحتجاجات الشعبية، و خلق بيئة مناسبة لتفجير الثورة. (راجع: دياب، 1978م.: 15)
2ـ استهتارالحکومة بالمطالب السياسية و محاصرة القوی السياسية و تهديدها في حالة التظاهر إلی حد إعتقال.
3ـ خلق حواجز سياسية کبيرة بين الحکومة و حزب الحاکم من جانب، و بين القوی السياسية الأخری و الحرکات الشبابية من جانب آخر.
3ـ عدم تنفيذ وعود رئيس مبارک المتکررة بنزاهة الإنتخابات من دون ضمانات حقيقية.
4ـ تزايد الشعور بالظلم و عدم المساواة و عدم تکافؤ الفرص، و انعدام العدالة الإجتماعية وسط فجوة الأجور الضخمة. (راجع: فريق شفافية ليبيا، 2010م.: 6)
5ـ انتشار الفساد بصورة غير مسبوقة عبّر عنها البرلمان(2005-2010)( راجع: زهران، 2011م.:94-93)
النتيجة
من القواسم المشترکة بين الثورات العربية و الثورة الإيرانية هي أنّ کلا من هذه الثورات لا تنحاز بحزب واحد و لکن هناک فرق بينهما و هو أنّ الثورة الإيرانية تتمتّع من وحدة القيادة .
أسباب إندلاع الثورات العربية و أيضاً الثورة الإيرانية لاتظهر في دفعة واحدة بل تمتدّ منذ زمن مديد. من أهم البواعث المشترکة لإندلاع الثورة في إيران و البلاد العربية، هي:
ـ الإستبداد و الفساد: هما من القواسم المشترکة في الحکومات العربية المخلوعة وحکومة ايران في العصر البهلوي الثاني و هما من أبرز الخصائص التي تطبع طبيعة الأنظمة الديکتاتورية و العميلة، و لعلّ الفساد و الإستبداد من قبيل اللازم و الملزوم في تلک الأنظمة.
ـ عدم وجود حرية التعبير و سلب النشاطات السياسية من الأحزاب و الجماعات.
ـ تراکم الإحتجاجات الشعبية
ـ تزايد الشعور بالظلم و عدم المساواة و عدم تکافؤ الفرص، و انعدام العدالة الإجتماعية وسط فجوة الأجور الضخمة.
ـ عدم وجود قائدة شعبية للحکومات المستبدة في البلدان العربية و إيران.
ـ الظلم الشامل في المجتمع.
ـ الإعتقال و القمع و العنف لمن لا تَستحسن الحکومة رأيه.
ـ التخلف الإقتصادي و إغارة الثروات الشعبية بید الأجانب.
الفساد الإقتصادي في البيروقراطية الإدارية.
إنّنا نعتقد بأنّ وحدة الفئات والأحزاب المختلفة تحت لواء واحد هي سبيل أصولي للوصول إلی الانتصار الشامل في کل البلدان الإسلامية. علی شعوب البلدان العربية أن يحتفظوا ثورتهم بوعي حادٍّ و لايسمحوا لأعدائهم أن ينحرفوا ثورتهم.
إنّ تجربة الشعب الإيرانيّ عبر الأزمات و الصعوبات التي يمضي اليه في ثلاثين سنة بعد ثورتهم، يمکن أن تکون خير أنموذج للشعوب الأخری. إننا لاندّعي أن ليس في تجربتنا نقاط الضعف أو أخطاء. لکنّ الشعب الأيراني دافع عن إستقلاله و أهدافه الإلهية مدی ثلاثين عاماً بثقة النفس و أنّ أعداء الثورة فشلوا في مساعيهم و مآربهم أمام ارادة الشعب الإيراني،كما فشلوا أخيرا أمام إرادة الشعوب العربية.
قائمة المصادر
1ـ القرآن الکريم.
2ـ أبوالحسن شيرازي،حبيب الله،(1370ه ش.)، انقلاب اسلامي و ريشههاي آن، تهران، انتشارات مفهرس، چاپ اول.
3ـ الأسدي، مختار، (1996م.)، الثورة في فکر الإمام الخميني، مؤسسة تنظيم و نشر تراث الإمام الخميني ـ الشئون الدولية، الطبعة الأولی.
4ـ الخميني، أحمد، (1996م.)، آراء و مواقف سماحة السيد أحمد الخميني، طهران، مؤسسة تنظيم و نشر تراث الإمام الخميني ـ الشئون الدولية، الطبعة الأولی.
5ـ الخميني، روح الله ، (1997م.)، تصدير الثورة کما يراه الإمام الخميني، طهران، مؤسسة تنظيم و نشر تراث الإمام الخميني ـ الشئون الدولية، الطبعة الأولی.
6ـ دياب، محمد عبد الحکم،(1978م.)، الثورة العربية المعاصرة، ابعاد فکرية و تنظيمية، بيروت، دارالمسيرة.
7ـ زهران، جمال علي، (2011م.)، «اندلاع الثورات العربية: ثورة 25 ينايير المصرية نموذجاً، مجلة الغدير، العدد 55، صيف (2011م.)، صفحات (96-78).
8ـ زيبا کلام، صادق، (2004م.)، الثورة الإسلامية في إيران، الأسباب و المقدمات، ترجمة و دراسة: هويدا عزت محمد، مراجعة و تقديم: بديع محمد جمعة.
9ـ شريعتي، علی، (1386ه.ش)، اسلام شناسي،طهران، بنياد فرهنگي شريعتي،الطبعة التاسعة.
10ـ ـــــــــــــــــــ ، (1386ه.ش)، جهانبيني و ایدئولوژي، طهران، بنياد فرهنگي شريعتي، الطبعة السابعة.
11ـ ــــــــــــــــــ ، (1384ه.ش)، جهتگيري طبقاتي اسلام، طهران، قلم، الطبعة الخامسة.
12ـ ضيائي، علی اکبر،(1381ه.ش)، نهضت فلسفي امام خميني، مؤسسة چاپ و نشر عروج، (وابسته به مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني).
13ـ عبد الناصر، وليد، (1997م.)، إيران دراسة عن الثورة و الدولة، القاهرة، دارالشروق، الطبعة الأولی.
14ـ عتريسي، طلال، (2011م.)، « الثورات العربية بين طموح التغيير و مخاطر الإحتواء»، مجلة الغدير، العدد 55، صيف (2011م.)، صفحات (28-9).
15ـ قانون أساسي جمهوري اسلامي ايران(الدستور الإيراني)، (1369ه.ش)، إداره کل قوانين و مقررات کشور، نهاد رياست جمهوري، الطبعة الأولی.
16ـ نجاتي، غلام رضا،( 2008م.)، التاريخ الأيراني المعاصر،إيران في عصر البهلوي، نقله إلی العربية عبد الرحيم الحمراني، قم، دارالکتاب الإسلامي، الطبعة الأولی.
17ـ مجموعة مؤلفين، فريق الشفافية ليبيا، مارس (2010م.) "الثورة الإدرارية" أساس "الفساد الإداري" في ليبيا.